فصل: من لطائف القشيري في آيات القبلة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعالبي:

وقوله تعالى: {فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} أمر باستقبال القبْلَة، وهو شرطٌ في الفرض إِلاَّ في القتالِ حالة الالتحامِ، وفي النوافل إِلا في السفرِ الطويلِ للرَّاكب، والقدرةُ على اليقينِ في مصادفتها تَمْنَعُ من الاِجتهادِ، وعلى الاِجتهادِ تَمْنَعُ من التقليد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} يريد الناس {واخشوني} الخَشْيَةُ أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التَّوقي. والخوف: فزع القلب تَخِفُ له الأعضاء، ولِخفّة الأعضاء به سُمِّيَ خَوْفًا. ومعنى الآية التّحقير لكل مَن سوى الله تعالى، والأمر باطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى. اهـ.
سؤال: قال ابن عرفة: كيف ينهى المكلف عن فعل أمر هو فيه بالطبع لأن الخوف من العدو أمر جبلي لا يستطيع الإنسان زواله؟
وأجاب عن ذلك بأن أوائل ذلك حاصل بالطبع والدوام عليه هو المنهي عنه. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ} فقد اختلفوا في متعلق اللام على وجوه:
أحدها: أنه راجع إلى قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ولأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ} فبين الله تعالى أنه حولهم إلى هذه الكعبة لهاتين الحكمتين.
إحداهما: لانقطاع حجتهم عنه.
والثانية: لتمام النعمة، وقد بين أبو مسلم بن بحر الأصفهاني ما في ذلك من النعمة، وهو أن القوم كانوا يفتخرون باتباع إبراهيم في جميع ما كانوا يفعلون فلما حول صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس لحقهم ضعف قلب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التحول إلى الكعبة لما فيه من شرف البقعة فهذا موضع النعمة.
وثانيها: أن متعلق اللام محذوف، معناه: ولإتمام النعمة عليكم وإرادتي اهتداءكم أمرتكم بذلك.
وثالثها: أن يعطف على علة مقدرة، كأنه قيل: واحشوني لأوفقكم ولأتم نعمتي عليكم، والقول الأول أقرب إلى الصواب فإن قيل: إنه تعالى أنزل عند قرب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {اليوم أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى} [المائدة: 3] فبين أن تمام النعمة إنما حصل ذلك اليوم، فكيف قال قبل ذلك اليوم بسنين كثيرة في هذه الآية: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ} قلنا: تمام النعمة اللائقة في كل وقت هو الذي خصه به، وفي الحديث: «تمام النعمة دخول الجنة» وعن علي رضي الله عنه: تمام النعمة الموت على الإسلام. اهـ.

.قال البقاعي:

قال الحرالي: وفي طيه بشرى بفتح مكة واستيلائه على جزيرة العرب كلها وتمكنه بذلك من سائر أهل الأرض لاستغراق الإسلام لكافة العرب الذين فتح الله بهم له مشارق الأرض ومغاربها التي انتهى إليها ملك أمته. انتهى.

.قال ابن عاشور:

المراد بالإتمام هنا إعطاء الشيء وافرًا من أول الأمر لا إتمامه بعد أن كان ناقصًا، فهو قريب من قوله تعالى: {فأتمهن} [البقرة: 124] أي امتثلهن امتثالًا تامًا وليس المراد أنه فعل بعضها ثم فعل بعضًا آخر، فمعنى الآية ولتكون نعمتي نعمة وافرة في كل حال. اهـ.

.قال السعدي:

{وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي: تعلمون الحق، وتعملون به، فالله تبارك وتعالى- من رحمته- بالعباد، قد يسر لهم أسباب الهداية غاية التيسير، ونبههم على سلوك طرقها، وبينها لهم أتم تبيين، حتى إن من جملة ذلك أنه يقيض للحق، المعاندين له فيجادلون فيه، فيتضح بذلك الحق، وتظهر آياته وأعلامه، ويتضح بطلان الباطل، وأنه لا حقيقة له، ولولا قيامه في مقابلة الحق، لربما لم يتبين حاله لأكثر الخلق، وبضدها تتبين الأشياء، فلولا الليل، ما عرف فضل النهار، ولولا القبيح، ما عرف فضل الحسن، ولولا الظلمة ما عرف منفعة النور، ولولا الباطل ما اتضح الحق اتضاحا ظاهرا، فلله الحمد على ذلك. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَعَلَّكُمْ} في لعلّ ست لغات: علّ ولعلّ ولعنّ وعنّ ولعّا.
ولها ستة أوجه:
1- هي من الله عزّ وجلّ واجب.
2- ومن النّاس على معاني قد تكون بمعنى الاستفهام كقول القائل: لعلّك فعلت ذلك مستفهمًا.
3- وتكون بمعنى الظّن كقول القائل: قدم فلان فردّ عليه الرّاد: لعلّ ذلك، بمعنى أظنّ وأرى ذلك.
4- وتكون بمعنى الإيجاب بمنزلة ما أخلقه كقوله: قد وجبت الصّلاة فيرد الرّاد: لعلّ ذلك أي ما أخلقه.
وأنشد الفرّاء:
لعلّ المنايا مرّة ستعود ** وآخر عهد الزائرين جديد

5- وتكون بمعنى الترجّي والتمنّي كقولك: لعلّ الله أن يرزقني مالًا، ولعلّني أحجّ.
وأنشد الفرّاء:
لعلّي في هدى أفي وجودي ** وتقطيعي التنوقة واختيالي

سيوشك أن يتيح إلى كريم ** ينالك بالذّرى قبل السؤال

6- ويكون بمعنى عسى تكون ما يراد ولا يكون كقوله: {يا هامان ابن لي صرحًا لعلّي أبلغ الأسباب}. أي عسى أبلغ.
وقال أبو داود:
فأبلوني بليتكم لعلّي ** أُصالحكم واستدرج نويا

أي نواي ويكون بمعنى كي على الجزاء كقوله: {انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} بمعنى لكي يفقهوا ونظائرها كثيرة وقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} أي لكي تهتدوا من الضّلالة. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: ما فائدة هذا القيد {ومّنْ حَيْثُ خَرَجْتَ}؟

الجواب: وزاد {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ} دفعًا لتوهم مخالفة حال السفر لحال الحضر بأن يكون حال السفر باقيًا على ما كان كما في الصلاة حيث زيد في الحضر ركعتان أو يكون مخيرًا بين التوجهين كما في الصوم. اهـ.

.سؤال: ما نوع التعريف في كلمة الناس؟ وما فائدته؟

والتعريف في الناس للاستغراق يشمل مشركي مكة فإن من شبهتهم أن يقولوا لا نتبع هذا الدين إذ ليس ملة إبراهيم لأنه استقبَل قبلة اليهود والنصارى، وأهلَ الكتاب، والحجة أن يقولوا إنَّ محمدًا اقتدى بنا واستقبل قبلتنا فكيف يدعونا إلى اتباعه. ولجميع الناس ممن عداكم حجة عليكم، أي ليكون هذا الدين مخالفًا في الاستقبال لكل دين سبقه فلا يدعي أهل دين من الأديان أن الإسلام مقتبس منه.
ولا شك أن ظهور الاستقبال يكون في أمر مشاهد لكل أحد لأن إدراك المخالفة في الأحكام والمقاصد الشرعية والكمالات النفسانية التي فَضُل بها الإسلام غيرَه لا يدركه كل أحد بل لا يعلمه إلاّ الذين أوتوا العلم، وعلى هذا يكون قوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} ناظرًا إلى قوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق} [البقرة: 144]، وقوله: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه} [البقرة: 146]. اهـ.

.سؤال: من المراد من الناس؟

الجواب: قيل: أراد بالناس أهل الكتاب: وقيل: هو على العموم وقيل هم قريش واليهود فأما قريش فقالوا: رجع محمد إلى الكعبة لأنه علم أنها الحق وأنها قبلة أبيه وسيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا وقالت اليهود: لم ينصرف محمد عن بيت المقدس مع علمه أنه حق إلاّ أنه يعمل برأيه. اهـ.

.سؤال:

قال الفخر: هاهنا سؤال، وهو أن شبهة هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم ليست بحجة، فكيف يجوز استثناؤها عن الحجة وقد اختلف الناس فيه على أقوال:
الأول: أنه استثناء متصل ثم على هذا القول يمكن دفع السؤال من وجوه:
الوجه الأول: أن الحجة كما أنها قد تكون صحيحة، قد تكون أيضًا باطلة، قال الله تعالى: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبّهِمْ} [الشورى: 16] وقال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم} [آل عمران: 61] والمحاجة هي أن يورد كل واحد منهم على صاحبه حجة وهذا يقتضي أن يكون الذي يورد المبطل يسمى بالحجة ولأن الحجة اشتقاقها من حجة إذا علا عليه فكل كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجة، وقال بعضهم: إنها مأخوذة من محجة الطريق، فكل كلام يتخذه الإنسان مسلكًا لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجة، وإذا ثبت أن الشبهة قد تسمى حجة كان الاستثناء متصلًا.
الوجه الثاني: في تقرير أنه استثناء متصل: أن المراد بالناس أهل الكتاب فإنهم وجدوه في كتابهم أنه عليه الصلاة والسلام يحول القبلة فلما حولت، بطلت حجتهم إلا الذين ظلموا بسبب أنهم كتموا ما عرفوا عن أبي روق.
الوجه الثالث: أنهم لما أوردوا تلك الشبهة على اعتقاد أنها حجة سماها الله.
حجة بناء على معتقدهم أو لعله تعالى سماها حجة تهكمًا بهم.
الوجه الرابع: أراد بالحجة المحاجة والمجادلة فقال: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} فإنهم يحاجونكم بالباطل.
القول الثاني: أنه استثناء منقطع، ومعناه لكن الذين ظلموا منهم يتعلقون بالشبهة ويضعونها موضع الحجة، وهو كقوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتباع الظن} [النساء: 157] وقال النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهن فلول من قراع الكتائب

ومعناه: لكن بسيوفهم فلول وليس بعيب ويقال ما له على حق إلا التعدي يعني لكنه يتعدى ويظلم، ونظيره أيضًا قوله تعالى: {إِنّى لاَ يَخَافُ لَدَيَّ المرسلون إَلاَّ مَن ظَلَمَ} [النمل: 10، 11] وقال: {لا عَاصِمَ اليوم مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَن رَّحِمَ} [هود: 43] وهذا النوع من الكلام عادة مشهورة للعرب.
القول الثالث: زعم أبو عبيدة أن إلا بمعنى الواو كأنه تعالى قال: لئلا يكون للناس عليكم حجة وللذين ظلموا وأنشد:
وكل أخ مفارقه أخوه ** لعمر أبيك إلا الفرقدان

يعني: والفرقدان.
القول الرابع: قال قطرب: موضع {الذين} خفض لأنه بدل من الكاف والميم في عليكم كأنه قيل: لئلا يكون عليكم حجة إلا الذين ظلموا فإنه يكون حجة عليهم وهم الكفار، قال علي ابن عيسى: هذان الوجهان بعيدان. اهـ.

.سؤال: لم وصف الحجة بالاستعلاء {عليكم حجة}؟

الجواب: وصفها بالاستعلاء عليهم لما يحصل بها من الأذى بدلالتها على العداوة والشقاق لا بتغييرها في وجه شيء من الأدلة. اهـ.

.سؤال: إن قلت: هذا تكرار لأن الهداية من جملة النعم؟

قلنا: المراد النعم الآتية من عند الله تعالى لا تسبب فيها للمكلف بخلاف الهداية والضلال فإن له فيها كسبا وأرادة. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في آيات القبلة:

قوله جلّ ذكره: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرَامِ}.
كما تستقبلون أينما كنتم القِبْلَة- قَرُبتُم منها أم بَعُدْتُم- فكذلك أَقْبَلُوا علينا بقلوبكم كيفما كنتم، حَظَيتم منا أو مُنِيتُم.
قوله جلّ ذكره: {وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}.
إذا أردت ألا يكون لأحد عليك سبيلٌ، ولا يقع لمخلوق عليك ظِلٌّ، ولا تصل إليك بالسوءِ يَدٌ، فحيثما كنتَ وأينما كنتَ وكيفما كنت كن لَنَا وكُن مِنّا، فإِنَّ من انقطع إلينا لا يتطرق إليه حدثان.
قوله جلّ ذكره: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِى عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
إتمام النعمة إضافة الكشف إلى اللطف، فإن من كفاه بمقتضى جوده دون من أغناه بحق وجوده، وفي معناه أنشدوا:
نحن في أكمل السرورِ ولكنْ ** ليس إلا بكم يَتمُّ السرور

عيبُ ما نحن فيه- يا أهلَ وُدِّي ** أنّكم غُيَّبٌ ونحن الحُضُور

.فائدة في عطف قوله: {ومن حيث خرجت} على: {فول وجهك شطر المسجد الحرام}:

عُطف قولُه: {ومن حيث خرجت} على قوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] عَطْف حكم على حكم من جنسِه للإعلام بأن استقبال الكعبة في الصلاة المفروضة لا تَهاوُن في القيام به ولو في حالة العذر كالسفر، فالمراد من {حَيث خرجتَ} من كل مكان خرجتَ مسافرًا لأن السفر مظنة المشقة في الاهتداء لجهة الكعبة فربما يتوهم متوهم سقوط الاستقبال عنه. اهـ.